ملخص الكتاب
يعد التعليم أحد ركائز المجتمع وأساس تقدم الشعوب وعنوان حضارتها؛ لذلك تسعي جميع الدول إلي الاستثمار الأمثل لإمكاناتها البشرية، فتركز علي التعليم لما له من دور فاعل في بناء الاقتصاد الوطني واستمرار التنمية وازدهار الحياة في المجتمع. ويتمتع التعليم في دولنا بمكانة عالية على مستوى رسم السياسات الوطنية، وتبني الخطط الهادفة للاستثمار في رأس المال البشري، من خلال تطوير التعليم وتجويد مخرجاته، بصفته العامل الأهم في مسيرة النهوض بالمنطقة وتقدم حضاراتها منذ قرون، كما كان له دورٌ محوريٌّ في بناء دول المنطقة لنظم اقتصادها الحديث وتشكيل هوياتها الوطنية.
وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في مجال تطوير التعليم والتدريب، إلا أنه لا تزال هناك فرص استثمارية كبرى تدعم الجهود الوطنية في مجال الارتفاع بمستوى التعليم وتجويد مخرجاته وترشيد الإنفاق عليه، لتحقيق رؤاها المستقبلية الطموحة، ضمن مسيرة التنمية المستدامة.
وضمن هذا الإطار، تحتاج منظومة التعليم في دولنا إلى مواصلة اتباع سياسات إصلاحها وتمويلها، بحيث يكون مبنيّاً على مدخل تشجيع الاستثمار في التعليم، وتعظيم العائد من مخرجاته. وهذا ما ترنو إليه دراستنا الحالية؛ حيث تهدف إلى: صياغة نموذج هيكلي مقترح لسياسات إصلاح منظومة التعليم وتمويله في الدول الأعضاء؛ للارتقاء بنوعية التعليم ومخرجاته على نحو يتيح مزيداً من الفرص للاستثمار في التعليم، وبشكل يتسق مع متطلبات اقتصاد المعرفة.
ومثل هذا التوجه، يعتمد على ما يقوم به صناع القرار في مجال رسم السياسات التعليمية، ومنحها قدراً من المرونة تشجع مؤسسات العمل والإنتاج على اتباع أساليب ملائمة لتشجيع الكفاءات واستثمار طاقاتها في تحسين الأداء وتجويد مخرجاته. بما يؤدي إلى دعم توظيف أفضل للمعلمين وتحفيزهم وتمكينهم من أداء مهامهم، وتحفيزهم على الابتكار ومواصلة اكتساب المعارف والخبرات اللازمة للتكيف مع متغيرات الظروف ومبتكرات العلم وتطبيقاته في الحياة. ويتوقف نجاح مثل هذه الإصلاحات على كيفية تصميمها وتقديمها، ومدى تقبلها والموافقة عليها، من قبل الأطراف المعنية في المجتمع.
هذا، ويتطلب إجراء أي تغييرات جوهرية في التعليم معالجة كثير من المشكلات الاجتماعية المزمنة التي تمنع الإصلاح. ومما لا شك فيه أن تغيير مثل هذه المشكلات المتراكمة ليس بالأمر السهل، ولكنه إنجاز يمكن تحقيقه عن طريق بث الوعي بالسلبيات وإظهارها للمجتمع، وبيان عدم جدواها، والتركيز على الفوائد التي تعود على المجتمع من وراء الإصلاحات؛ وهو ما قد يساعد في تغيير اتجاهات المجتمع وتفكيره.
وقد تم صياغة هذه الدراسة وفق حزمة من السياسات المتسقة ضمن نموذج شامل، رباعي الأبعاد؛ لإصلاح المنظومة التعليمية في الدول الأعضاء، بهدف إصلاح التعليم ومُخرجاته، لكي يُصبح العائد على الاستثمار في التعليم أكثر اتساقاً، وتزداد فاعلية الاستثمار فيه من خلال تحسين جودته والانتقال من الأساليب المعتمدة على التلقين إلى اكتساب المهارات، وإعادة حوكمة القطاع التعليمي، وتعزيز الشراكة المجتمعية ودور القطاع الخاص في الاستثمار فيه. وهذا ما يساعد على بناء نظام تعليمي يخرج أجيالًا تؤمن بضرورة سلوك الإبداع والتفوق والإنتاج، والتحول من ذهنية الاعتماد المطلق على دعم الدولة، إلى الاعتماد على الذات، والمشاركة في تحمل تكاليف الخدمات التي تقدمها الدولة، والتخلي عن أنماط السلوك الاستهلاكي الذي أفرزته فترة الرفاه الاقتصادي، واكتساب الخبرات والمهارات اللازمة للتحلي بالسلوك الرشيد في استخدام الموارد وتنميتها، وتوطين ثقافة المعرفة المتجددة وإنتاجها.
ونأمل أن تقدم هذه الدراسة للمختصين وصناع القرار السياسي والتربوي في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج نموذجاً يحتذى به في دعم مسيرة الإصلاح التربوي التي تنتهجها سياسات التعليم في دولنا؛ وأن يكون لها إسهام في بناء منظومة تعليمية تحقق الجودة والتميز في تعليم المستقبل، وتدعم التنمية المستدامة الشاملة في الدول الأعضاء.