ملخص الكتاب
تقدر دول العالم المتقدمة مدى أهمية الموهبة والإبداع لدى الأطفال والشباب، وتولي جل عنايتها بهم، فالمبدعون هم ثروة الأمم، ورأس مالها البشري، وذخيرتها التي يجب أن تصان وتنمى، وأن تحاط بالرعاية كي لا تتبدد، فالأمم تقوى بقوتهم، وتتخلف عن ركب التقدم والرقي بإهمالهم، وعدم الاعتناء بهم، فهم وديعة الوطن وثروته، وعقوله المفكرة التي تعمل على تحقيق أهداف التنمية فيها، وضمان استدامتها، وبخاصة مع تنامي سرعة التقدم في عالم اليوم، وتعقَّد مجالات التكنولوجيا في "عصر المعلومات"، وذلك لمعالجة المزيد من المشكلات في النظم والعلاقات؛ فالعالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى عقول مفكرة ومبدعة وموهوبة ومتفوقة، لتأتي بحلول مبتكرة، للتغلب على مشكلاته المزمنة، ومواجهة أزمات الحياة، وما يطرأ من ظروفها المتغيرة، ويساعد في اللحاق بركب التقدم، واستثمار نتائجه في صالح البشرية وأمنها ورخائها.
وهذا كله يتطلَّب من مؤسساتنا التربوية أن تتبنى سياسات جديدة؛ لتطوير قدرات الطلبة على التفكير، وأن تحدث تحولاً في مفاهيمها وفلسفتها حول أساليب التعليم، ليصبح من ضمن أدوارها الاهتمام بالموهوبين ورعايتهم، وتطوير قدراتهم الإبداعية، وتوفير الخبرات الفكرية الكافية لهم؛ لتربية عقولهم، واستثمارهم بوصفهم ثروة المجتمع البشري الذي يعتمد عليه في بناء حضارته الحالية وتطوراتها السريعة، ولتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
ومن المهم لأي مؤسسة تربوية تريد أن تحقق أهدافها؛ أن تتعرف على الاحتياجات الأساسية لمجتمعاتها، وتطَّلع على التجارب الرائدة لدول العالم، وأن تراجع سياساتها في ضوئها، ومن ثم التخطيط الجيد لأولويات عملها، واتباع الإستراتيجيات الحديثة التي تمكنها من النفاذ إلى قطاعات المجتمع، وبخاصة سوق العمل، وتبني رؤية مستقبلية تساهم في تحقيق ما يأمله المجتمع منها، وبخاصة استخدام الأساليب الحديثة في تدريب منتسبيها، وتطوير آليات عملها. وهناك أمر ينبغي ألا يغفل، وهو متابعة ما يستجد من فكر وممارسة في مجال تعرف الموهوبين ورعايتهم وتعليمهم، ودعمهم. ومثل هذا العمل يتطلب كثيراً من تضافر الجهود وحشد الإمكانات المادية والبشرية.
وتأتي هذه الدراسة في سياق اهتمام المسؤولين عن التخطيط التربوي ورسم السياسة التعليمية في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج، من خلال الاستفادة من التجارب والاتجاهات والممارسات العالمية، والتعرف على سبل تطوير السياسات التعليمية الحاضنة لهم وإمكاناتها في هذا المجال، وإعداد تصور متكامل، وصياغة منظومة من السياسات والتشريعات التي من شأنها دعم برامج الطلبة الموهوبين في الدول الأعضاء، والاستفادة من قدراتهم في بناء الوطن، واستمرار أسباب رخائه وعوامل رقيه.
ومن المهم جدا أن يتصدر أي مشروع يستهدف دعم رعاية الموهوبين أمور ثلاثة، أولها: إرساء ثقافة الوعي المجتمعي بمفهوم الموهبة وخصائص الموهوبين، وقيمة العائد الاجتماعي والاقتصادي من وراء رعايتهم، على الوطن وتقدمه ورخائه. وثانيها: تهيئة البيئة المدرسية الحاضنة لهذه المواهب، والمؤهلة لاكتشاف الموهوبين والاستجابة لمطالبهم، وتوفير النشاطات التي تظهر إبداعاتهم. وثالثها: المحافظة على مرونة النظام التعليمي، بحيث تتسع قوانينه ولوائحه وتعليماته لتفهم خصائص المبدعين، ومراعاتها في أساليب تعليمهم وتقييم أدائهم.
آملين أن تكون هذه الدراسة مرجعا مفيدا للعاملين في الميدان التربوي، وأن يجدوا فيها تصوراً يستفاد منه في مجال تطوير مشروعات اكتشاف الموهوبين ورعايتهم، والإسهام في تطوير العملية التربوية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج.